ما يريده الكون هو ما تريد
عزيزي القارئ
الجمال كلمة ليست مادية،
الجمال كلمة تلامس العمق. عمق وجوديتنا فالجمال أقرب لكلمة الغرابة و الدهشة، فعندما
نتحدث عن الجمال نتحدث عن شيء طبيعي يلامس روحانيتنا. أو يلامس عمقنا الإنساني
المشترك وطبيعتنا الإنسانية الأولى هي الجمال
فكل شخص يعكس جماله الطبيعي، الروحي و يتجلى ذلك
في طريقة تفكيرنا وردات فعلنا و يتجلى أيضا في ملامح وجوهنا و أجسادنا، فطريقة
تفكيرنا مثلا تعكس جمالنا الروحي الطبيعي. عندما نتحدث نحن نتحدث بدافع الجمال
الروحي العميق.
سواء كان تفكيرنا قبيحا أو غير متوازن أو غير
مكتمل، الا انه يحاول أن يعكس جمالنا
الروحي الطبيعي و معتقداتنا و لو كانت جامدة فهي في نهاية المطاف تحاول أن تعكس
جمالنا الروحي و الجميل انه يمكننا تغيير طريقة تفكيرنا و تغيير معتقداتنا و تغيير
نظرتنا للواقع و نتحرر من الهويات الزائفة و نتحرر من نظرتنا السطحية للأمور.
و نتمتع بمساحة من العمق و مساحة من السلام
الداخلي, في هاته المساحة يمكننا إدراك الجمال الروحي الذي
نتحدث عنه و يمكننا خلق فجوة في عقولنا السطحية التي لا تدرك الجمال الطبيعي الروحي.
و حينها يتسرب الجمال الطبيعي الروحي إلى
إدراكنا، فيتغير مفهوم الجمال بداخلنا و يتغير إدراكنا للواقع، فالواقع حينها يبدو
جميلا كيفما كان. إلا أن الشخص الذي يدرك هذا الجمال الروحي، لا يهتم بالجسد فقط. فالنسبة له الجمال يتخلل كل حركة، كل فعل، و كل
كلمة و يتخلل الواقع.
فإذا أردنا أن نعرف أو نحدد الجمال، فيمكن أن نقول أن الجمال هو تلك
المساحة أو ذلك الفراغ التي يتم إدراكه بعقل متحرر من السطحية، و متحرر من المنطق
الصوري السطحي.
الجمال موجود في الواقع بشكل طبيعي، فأصواتنا مثلا كلها جميلة و كل شخص لديه صوت جميل و مميز و
الأحداث التي نعيشها كيفما كانت فهي جميلة، و الحياة التي نعيشها كيفما كانت فهي
في نهاية المطاف تعبر عن الجمال الكوني، وكل شخص هو جميل جدا وكل شيء يتخلله الجمال.
الجمال حالة الكون الطبيعية،
الجمال الذي نقصده هنا هو جمال كوني طبيعي هو نوع من الإبداع الكوني الذي يتخلل كل
الواقع، ونحن لسنا مجبرين على إثبات جمالنا للأخر، لأن جمالنا هو شيء طبيعي موجود
فينا مسبقا.
الجمال موجود فينا سالفا و بشكل طبيعي، فكلامنا وتعبيرنا الخارجي عن ما نحس
ونشعر به هو جمال، وردات الفعل التي نتصرف بها بداخل المجتمع فيها نوع من الجمال و
حركات أجسادنا فيها جمال و أجسادنا فيها جمالها الخاص، و الحياة التي نعيشها فيها
نوع من الجمال الطبيعي. ففي الحقيقة كل شيء نعيشه عبارة عن جمال طبيعي كوني سواء
كان قبيحا أو خيرا بالنسبة لعقولنا. فهو في نهاية المطاف شيء جميل، و هذا الجمال
طبيعي كوني.
الجمال صفة تتجاوز النظرة الصورية العقلية، الجمال لا ندركه بمنطقنا العادي
بل عندما ننظر للواقع بنظرة حيادية متحررة، حينها فقط نرى الجمال في كل شيء.
حالة وعيك هي بحد ذاتها جمال، و لا
يهم رغبتك في أن تكون أكثر يقظة و حضور بقدر ما يهم الجمال الذي تعيشه، بمعنى ليس مهما أن نندفع و نسعى لأن
نكون مستنيرين و نسعى لمعرفة كل شيء بقدر ما يهم إدراك الجمال الطبيعي الذي نعيشه
،
بمعنى أوضح نحن في كل مرة نعيش بحالة وعي جديدة،
وفي حياة جديدة و بظروف جديدة و في بيئة جديدة، و لايجب أن نسعى لتغيير ظروفنا هذه
بسرعة بقدر ما يهم الإهتمام بهذه الظروف، و الإهتمام بحالة و عينا و التعبير عنها
بكلمات مناسبة و قبول واقعنا هذا و حالة وعينا هذه و أفكارنا الحالية و مشاعرنا
الحالية و كل الأحداث التي نعيشها كيفما كانت.
و نعبر عن ما نشعر و نحس به و نتقبل ما نشعر و نحس به ، و لا نسعى لإثبات أننا واعون أكثر
و اقوياء اكثر و لا نسعى لإثبات اننا متحررون. و لا نسعى لإثبات اننا أكثر محبة او
اكثر سلاما و لا اكثر إبداعا و فهما.
بل في الجمال نحن لانسعى لإثبات اي شيء، إنما
نعيش بأحاسيسنا و مشاعرنا و أفكارنا الحالية. و نعبر عنها و نصفها و نصف ما يحدث
في واقعنا بكل واقعية، حينها يمكننا إدراك الجمال الذي نعيشه
يمكننا العيش بجمال، فالجمال يدرك في الصدق و البساطة و الوضوح، الصدق في
علاقتك بالواقع و بالأخر و مع نفسك، و البساطة في محاولتك لفهم الواقع و الأخر و
نفسك، و الوضوح في علاقاتنا مع واقعنا ومع ذواتنا. هذه الدقة و الصدق الكامل و
البساطة و الوضوح في وصفنا لمشاعرنا الحقيقية و في تعاملنا مع أنفسنا و مع الواقع
الخارجي بكل أحداثه و تفاصيله و مع الأشخاص، يجعل الجمال يظهر في حياتنا بشكل واضح
جدا.
الجمال هو قبول تام و كامل للواقع الذي نعيشه، و لشخصيتنا الحالية و
لظروفنا الحالية بكل تفاصيلها. في هذا القبول نستطيع إدراك الواقع كما هو. و
اذا أدركنا الواقع الذي نعيشه كما هو
بحيادية فإنه مباشرة ندرك الجمال الذي نعيشه،
لأن الواقع إبداع كوني و هذا الإبداع ممتلئ
بالجمال في كل تفاصيله، فالجمال أصلا موجود في الواقع و نحن كإنسان ننتمي لهذا
الجمال الكوني.
فالواقع هو نحن و كل ما يوجد في الواقع و نحن نكون لوحة جميلة جمال طبيعي، و هذا
الجمال يدرك حين يكون هناك تقبل لواقعنا كما هو، و لشخصيتنا كما هي، و نتحرر من تلك الرغبة لإثبات صفة معينة فينا أو
إثبات هويتنا في الواقع، أو التحرر من رغباتنا و أفكارنا المسبقة عن الواقع، و
نعيش بنوع من الوعي المحايد لندرك هذا الجمال.
Post a Comment