الرواقية -السيطرة

مواضيع مفضلة

الأحد، 10 نوفمبر 2024

الرواقية -السيطرة

 ضع في حسبانك دائما أن كل شيء سريع الزوال. علينا مقاومة الشغف حين يكون هذا الشغف رغبات وعواطف مفرطة وغير عقلانية، الغضب هنا مثال جيد، فالإنجازات يمكن أن تكون سريعة الزوال، وأن امتلاكك لها هو مجرد لحظة. فما هو المهم؟ أن تكون شخصًا جيدًا وفعل الشيء الصحيح في الوقت الحالي، هو المهم بالنسبة للرواقيين؛ لقد غزا الإسكندر الأكبر كل العالم المعروف في عصره وخضع له الجميع، لكنه حين كان مخمورا دخل في معركة مع أعز أصدقائه، كليتوس، وقتله عن طريق الخطأ، وظل بعدها يائسا لم يستطع أن يأكل أو يشرب لمدة ثلاثة أيام، حاول خلالها حكماء اليونان أن يقدموا له السلوى لكن دون جدوى. لا يهم أن تحفر اسمك على خريطة طالما آذيت من حولك، وعليك أن تتيقن، وفق سينيكا، أنه «لا يوجد أي شخص لديه القدرة على الحصول على كل ما يريده، ولكن في مقدوره عدم الرغبة في الحصول على ما لا يملكه، والاستفادة بمرح مما لديه».

يدعو سينيكا إلى تأمل الموت، كما فعل سقراط من قبل، حين اعتبر أن الممارسة الصحيحة للفلسفة لا تتعلق بأي شيء آخر سوى الموت والفناء، وبدوره حثّ أبيكتيتوس طلابه على جعل الموت أمام أعينهم كل يوم، جنبًا إلى جنب مع كل ما يبدو فظيعًا. ومن خلال القيام بذلك، لن يكون لديهم مطلقًا فكرة أساسية أو رغبة مفرطة. الافتراض المسبق لتأمل الشرور هو أحد التمارين التي تتيح تخيل الأشياء التي يمكن أن تسوء أو تؤخذ منا، فيساعدنا في الاستعداد للنكسات الحتمية في الحياة. يجب أن نستعد لحدوث الحوادث، وبفضل هذا التمرين كان سينيكا دائمًا جاهزًا للهزيمة أو النصر.
علينا مقاومة الشغف حين يكون هذا الشغف رغبات وعواطف مفرطة وغير عقلانية، الغضب هنا مثال جيد، فالإنجازات يمكن أن تكون سريعة الزوال، وأن امتلاكك لها هو مجرد لحظة. فما هو المهم؟ أن تكون شخصًا جيدًا وفعل الشيء الصحيح في الوقت الحالي، هو المهم بالنسبة للرواقيين؛ لقد غزا الإسكندر الأكبر كل العالم المعروف في عصره وخضع له الجميع، لكنه حين كان مخمورا دخل في معركة مع أعز أصدقائه، كليتوس، وقتله عن طريق الخطأ، وظل بعدها يائسا لم يستطع أن يأكل أو يشرب لمدة ثلاثة أيام، حاول خلالها حكماء اليونان أن يقدموا له السلوى لكن دون جدوى. لا يهم أن تحفر اسمك على خريطة طالما آذيت من حولك، وعليك أن تتيقن، وفق سينيكا، أنه «لا يوجد أي شخص لديه القدرة على الحصول على كل ما يريده، ولكن في مقدوره عدم الرغبة في الحصول على ما لا يملكه، والاستفادة بمرح مما لديه».
يدعو سينيكا إلى تأمل الموت، كما فعل سقراط من قبل، حين اعتبر أن الممارسة الصحيحة للفلسفة لا تتعلق بأي شيء آخر سوى الموت والفناء، وبدوره حثّ أبيكتيتوس طلابه على جعل الموت أمام أعينهم كل يوم، جنبًا إلى جنب مع كل ما يبدو فظيعًا. ومن خلال القيام بذلك، لن يكون لديهم مطلقًا فكرة أساسية أو رغبة مفرطة. الافتراض المسبق لتأمل الشرور هو أحد التمارين التي تتيح تخيل الأشياء التي يمكن أن تسوء أو تؤخذ منا، فيساعدنا في الاستعداد للنكسات الحتمية في الحياة. يجب أن نستعد لحدوث الحوادث، وبفضل هذا التمرين كان سينيكا دائمًا جاهزًا للهزيمة أو النصر.
سلامك النفسي هو سلاحك الذي تقهر به كل ما يواجهك، وتذكر أيضًا أن الدنيا جُعلت هكذا لا بد فيها من يأس وأمل وخوف ورجاء. لا بد لنا من أن نتقبلها على حقيقتها ونستمر في السير، فما يعيق الطريق يصبح هو الطريق

التحكم في الأفكار والمشاعر

أحد المبادئ الأساسية للفكر الرواقي هو التفريق بين ما يمكننا التحكم فيه وما لا يمكننا التحكم فيه. الرواقيون يؤكدون أن الكثير من القلق والخوف ينبعان من محاولتنا السيطرة على أمور خارج نطاق سيطرتنا. يقول الفيلسوف الرواقي إبكتيتوس: "ليس ما يحدث لك، بل كيف تتفاعل معه هو ما يهم". ويقول مونيموس الكلبي: "كل شيءٍ هو كما يريده الفكر أن يكون" عندما ندرك أن هناك أمورًا لا يمكننا تغييرها، نحرر أنفسنا من عبء القلق المرتبط بها، ونعمل على توجيه طاقتنا نحو ما يمكننا فعله بالفعل، مما يقلل من التوتر والضغط.

العيش في اللحظة الحالية

يشدد الفكر الرواقي على أهمية العيش في اللحظة الحالية، بدلًا من الانغماس في مخاوف المستقبل أو الندم على الماضي. ماركوس أوريليوس، الإمبراطور الرواقي، قال: "ذكّر نفسك كل صباح أن الوقت الوحيد الذي تملكه هو الحاضر". التركيز على اللحظة الراهنة يمكن أن يكون أداة فعالة لتقليل القلق؛ لأنه يبعد عقولنا عن السيناريوهات المستقبلية التي لا يمكن التنبؤ بها أو التحكم فيها. بهذه الطريقة، يمكننا الاستمتاع بالحاضر وتقدير ما لدينا الآن.

قبول الواقع

التقبل هو أحد الأركان الأساسية للفكر الرواقي. يعلمنا الرواقيون أن نقبل الواقع كما هو، بدلًا من مقاومته أو الشكوى منه. سينيكا، الفيلسوف الرواقي، قال: "الرجل الحكيم يتكيف مع الظروف، كما يتكيف الماء مع الإناء الذي يحويه". هذا القبول يمكن أن يكون له تأثير مهدئ على القلق والخوف؛ لأنه يعلمنا كيفية التعايش مع ما هو موجود بدلًا من التمني لواقع مختلف. بالتالي، يمكن أن يساعدنا هذا في تحقيق السلام الداخلي والاستقرار النفسي.

في أن يُصبح المرء إنسانًا لا يُقهر إن خيارنا الأهم في الحياة، بحسب إبيكتيتوس، هو ما إذا نُشغل أنفسنا بأشياء خارجية بالنسبة لنا أم بأشياء داخلية. السواد الأعظم من الناس يختارون الأولى لأنهم يعتقدون بأنّ الأضرار والمنافع تأتي من خارج نفوسهم. وفقا لإبيكتيتوس الفيلسوف - أي الشخص الذي لديه فهم بالفلسفة الرواقية - يفعل العكس تماما. إنه يُفتش عن سائر الفائدة والضرر اللذين يأتيان من نفسه (1). وبالأخص يتخلى عن المكافآت التي يمنحها العالم الخارجي كي يحصل على الطمأنينة، والحرية، والسكينة»(2). في تقديم هذه النصيحة، إبيكتيتوس يقلب المنطق الطبيعي المتعلق بتحقيق الرغبة على رأسه. إذا ما سألت معظم الناس كيف يكتسبون الرضا سيقولون لك إنه يتعين عليك أن تعمل كي تحصل عليه: عليك أن تبتكر استراتيجيات تستطيع بواسطتها أن تحقق رغباتك، ومن ثم تنفذ تلك الاستراتيجيات. لكن كما يشير إبيكتيتوس، إنه من المستحيل أن تتحد أبدًا السعادة، والاشتياق إلى ما هو غير موجود (3). ويقول إن هناك استراتيجية أفضل للحصول على ما تصبو إليه، وهي أن تجعل هدفك أن ترغب فقط في تلك الأشياء التي من السهل أن تحصل عليها - وبنحو مثالي ترغب فقط في تلك الأشياء التي بمستطاعك أن تكون متيقنا من الحصول عليها. بينما يسعى معظم البشر إلى نيل الرضا من خلال تغيير العالم المحيط

بهم، ينصحنا إبيكتيتوس بأن ننال الرضا من خلال تغيير أنفسنا - وبصورة أدق، من خلال تغيير رغباتنا. وهو ليس وحده من يُعطي هذه النصيحة؛ في الحقيقة، إنها نصيحة يُقدمها عمليا كل فيلسوف ومفكر ديني فكر مليا في الرغبة الإنسانية وأسباب الاستياء الإنساني (4). إنهم يؤيدونها إذا كان الشيء الذي تبحث عنه هو الرضا، ذلك أن من الأفضل والأسهل أن تغير نفسك وما تريده من أن تغير العالم المحيط بك. رغبتك الجوهرية، يقول إبيكتيتوس، يجب أن تكون رغبتك التي لا تحبطها بتكوين رغبات لن تكون قادرًا على تحقيقها. رغباتك الأخرى ينبغي أن تنسجم مع هذه الرغبة، وإذا لم تنسجم، عليك أن تبذل قصارى جهدك كي تطفئها. إذا أفلحت في فعل هذا الشيء، لن تختبر القلق في ما يتصل بمسألة كونك تستطيع أو لا تستطيع أن تنال ما تصبو إليه؛ ولا أن تختبر خيبة الأمل كونك لا تحصل على ما تصبو إليه. في حقيقة الأمر، يقول إبيكتيتوس، سوف تُصبح منيعا : إذا رفضت أن تدخل المسابقات التي يمكن أن تخسرها، لن تخسر مسابقة واحدة (5). *** يبدأ كتيب) إبيكتيتوس، بنحو شهير نوعا ما، بالتوكيد الآتي: «بعض الأشياء عائدة لنا وبعضها ليست عائدة لنا». إنه يقدم لنا آراء، وحوافز، ورغبات، وحالات بغضنا كأمثلة للأشياء المتروكة لنا، وممتلكاتنا وسمعتنا كأمثلة على الأشياء غير العائدة لنا (6). يعقب هذا التوكيد أن نواجه خيارًا بشأن الرغبات التي نكونها باستطاعتنا أن نبغي أشياء عائدة لنا، أو باستطاعتنا أن نبغي أشياء غير عائدة لنا. إذا كنا نبغي أشياء غير عائدة لنا، نفشل أحيانًا في نيل ما نصبو إليه، ولما يحصل هذا سوف نواجه سوء الطالع ونشعر بأننا «محبطون بؤساء، ومنزعجون ). وبالأخص، يقول إبيكتيتوس، إنه لشيء سخيف بالنسبة لنا أن نبغي أن يعيش أصدقاؤنا وأقاربنا إلى الأبد، بما أن هذه الأشياء ليست عائدة لنا

افترض أننا بتنا محظوظين، وبعد أن نبغي شيئًا ليس عائدًا لنا، ننجح في الحصول عليه في هذه الحالة، لن ينتهي بنا الحال بأن نشعر بأننا المحبطون، بؤساء، ومنزعجون»، بل خلال هذا الوقت الذي نسعى فيه للحصول على الشيء غير العائد لنا، قد نختبر درجة من القلق: بما أن الشيء غير عائد لنا، توجد فرصة أننا لن نحصل عليه، وهذا من المحتمل أن يُقلقنا. وبناءً على ذلك، تمنّي الأشياء غير العائدة لنا سوف يُفسد سكينتنا، حتى إذا انتهى بنا الحال أن نحصل عليها. وبالنتيجة، كلما نشتهي شيئًا ما ليس متروكا لنا، سكينتنا على الأرجح سوف تُفسد: إذا لم نحصل على ما نريده، سوف ننزعج، وإذا حصلنا فعلا على الشيء الذي نریده، سوف نختبر القلق في أثناء عملية الحصول عليه. *** لنفكر ثانية في التفرع الثنائي للسيطرة العائد لإبيكتيتوس: يقول الأخير إن بعض الأشياء عائد لنا وبعضه غير عائد لنا. إن مشكلة هذه المقولة المتصلة بالتفرع الثنائي هي أن شبه جملة بعض الأشياء غير العائدة لنا مبهمة: من الممكن أن تفهم كي تعني إما أن هناك أشياء ليس لنا سيطرة عليها البتة، أو أن تعني أن هناك أشياء ليس لنا سيطرة تامة عليها». لو فهمناها بالطريقة الأولى، باستطاعتنا أن نعيد صياغة تفرع إبيكتيتوس كما يلي: هناك أشياء لنا سيطرة تامة عليها وأشياء ليس لنا سيطرة عليها البتة. غير أن التفرع الثنائي المصاغ بهذه الطريقة هو تفرع ثنائي كاذب، طالما أنه يتجاهل وجود الأشياء التي لنا بعض السيطرة عليها إنما ليس السيطرة التامة. فكر، على سبيل المثال، بفوزي في مباراة لعبة التنس. هذا ليس شيئًا لذي سيطرة تامة عليه بصرف النظر عن مسألة كم تدربت وكم بذلت من مجهود كبير، قد أخسر المباراة على الرغم من ذلك. ولا هو شيء ليس لي سيطرة عليه على الإطلاق كثير من التدريب وبذل جهود كبيرة قد لا يضمنان لي الفوز في المباراة، إلا أنهما قد يؤثران بالتأكيد على فرصي

 الآن دعنا نحوّل انتباهنا إلى الفرع الثاني من هذا التفرع الثنائي، إلى الأشياء التي ليس لنا سيطرة تامة عليها. هناك طريقتان نفشل فيها في أن نسيطر سيطرة تامة على شيء ما ربما لن تكون لنا أي سيطرة عليها البتة، أو ربما لنا بعض السيطرة وليس السيطرة التامة. هذا يعني أننا نستطيع أن نقسم فئة الأشياء التي ليس لنا سيطرة تامة عليها إلى فئتين فرعيتين: أشياء ليس لدينا سيطرة عليها البتة ( من مثل ما إذا ستشرق الشمس غدًا). والأشياء التي لدينا بعض السيطرة عليها وليس سيطرة كاملة عليها (من مثل ما إذا نفوز في مباراة التنس). هذا بدوره يوحي بإمكانية أن نعيد صياغة التفرع الثنائي للسيطرة العائد لا بيكتيتوس بوصفه التفرع الثلاثي هناك أشياء لنا سيطرة كاملة عليها، وأشياء ليس لنا سيطرة عليها البتة، وأشياء لنا بعض السيطرة عليها إنما ليس سيطرة كاملة. كل واحد من هذه الأشياء» التي نصادفها في حياتنا تقع في فئة واحدة وواحدة فقط من هذه الفئات الثلاث. *** في هذه المقولة المتصلة بالتفرع الثنائي للسيطرة، يوحي إبيكتيتوس بعقلانية تماما، أننا نتصرف بسخافة إذا ما أمضينا الوقت ونحن قلقون بشأن الأشياء غير العائدة لنا؛ لأنها ليست عائدة لنا، القلق بشأنها شيء عقيم. يتعين علينا بدلا من ذلك أن تشغل أنفسنا بالأشياء العائدة لنا، بما أننا لا نستطيع أن نتخذ خطوات سواء أن ننفذها أو نمنعها من الحدوث. في إعادة صياغة التفرع الثنائي للسيطرة كتفرع ثلاثي، مع ذلك، علينا أن نعيد صياغة نصيحته المتصلة بمسألة ما هو الشيء المحسوس أو غير المحسوس الذي نقلق بشأنه. بادئ ذي بدء، إنه شيء معقول بالنسبة لنا أن نقضي الوقت ونبذل الجهد ونحن نشغل أنفسنا بالأشياء التي لنا سيطرة كاملة عليها. في هذه الحالات، جهودنا تضمن النتائج. لاحظ، أيضًا، أنه بسبب درجة السيطرة التي نملكها على هذه الأشياء، يتطلب الأمر، بصورة عامة، وقتا ومجهودًا قليلا نسبيا منا كي نكون متيقنين من أنها تحدث. سنكون سخفاء إذا لم نشغل أنفسنا بها. ما هي الأشياء التي لدينا سيطرة تامة عليها؟ في الفقرة المقتبسة آنفًا، يقول إبيكتيتوس إن لنا سيطرة تامة على آرائنا، وحوافزنا، ورغباتنا وحالات بغضنا أؤيد إبيكتيتوس أن لنا سيطرة تامة على آرائنا، طالما أننا نفتر بشكل صحيح معنى الرأي - سأتطرق إلى هذا بعد قليل. لدي هواجس، مع ذلك، في ما يتصل بتضمين حوافزنا، ورغباتنا، وحالات البغض في فئة الأشياء التي لنا سيطرة كاملة عليها. بدلا من ذلك أضعها في فئة الأشياء التي لنا بعض السيطرة، إنما ليس السيطرة التامة عليها، أو، في بعض الحالات، أضعها في فئة الأشياء التي ليس لنا سيطرة عليها البتة. اسمح لي أن أشرح لماذا. افترض أنني أسير في ناد للقمار ولدى مروري بطاولة روليت اكتشفت أن في داخلي حافزا كي أراهن على الرقم 17 الذي سيظهر في الدورة التالية من العجلة. لدي درجة من السيطرة على ما إذا أعمل على الحافز إنما لا سيطرة لي على عملية انبثاقه في. إذا كان شيء ما حافزا فعلا، لا يمكننا أن نمنع تجريبه). الشيء نفسه بوسعنا أن نقوله عن كثير من رغباتي، إنما ليس كلها. عندما أكون على حمية غذائية، على سبيل المثال، قد أجد نفسي فجأة أشتاق إلى كوب آيس كريم. لدي درجة من السيطرة على قضية التصرف بهذا الاشتياق إنما لا سيطرة لي على قضية هذا الاشتياق التلقائي المنبثق في داخلي. وبالمثل، أنا غير قادر على التحكم بمسألة أن أكتشف في داخلي كرها للعناكب. ربما، عبر فعل من أفعال قوة الإرادة الخالصة، التقط عنكبوتا طويل الأرجل وأتصرف به على الرغم من هذا النفور، إلا أنني غير قادر على التحكم في مسألة كوني لا أحب العناكب هذه الأمثلة توحي بأن إبيكتيتوس مخطئ في ضم رغباتنا، وحالات بغضنا إلى فئة الأشياء التي لنا سيطرة تامة عليها. إنها تنتمي بالأحرى إلى فئة الأشياء التي لنا بعض السيطرة وليس السيطرة التامة عليها، أو، في بعض الأمثلة، إلى فئة الأشياء التي لا سيطرة لنا عليها البتة. ولأني قلت هذا، يتعين علي أن أضيف قائلا إنه من الممكن أن شيئًا مهما قد ضاع في الترجمة - ذلك أنه فيما كان يتحدث عن الحوافز، والرغبات وحالات البغض، كان يدور في ذهن إبيكتيتوس شيء مختلف عما يدور في أذهاننا. ما هي، إذا الأشياء التي لنا سيطرة تامة عليها؟ بدءًا، أعتقد بأن لنا سيطرة تامة على الأهداف التي نضعها لأنفسنا. لي سيطرة تامة، على سبيل المثال، على مسألة ما إذا هدفي أن أصبح اليايا التالي، أن أصبح مليونيرا، أو كاهنا في دير الرهبان كوني قلت هذا، ينبغي لي أن أضيف أنه، على الرغم من أن لي سيطرة تامة على هذه الأهداف التي وضعتها نصب عيني، من الجلي أني لا أملك سيطرة كاملة على مسألة ما إذا سأحقق أي هدف من هذه الأهداف؛ إن تحقيقي الأهداف التي وضعتها نصب عيني يقع بنحو نموذجي في فئة الأشياء التي لي بعض السيطرة إنما ليس السيطرة الكاملة عليها. وثمة شيء آخر أعتقد بأننا نمتلك سيطرة تامة عليه ألا وهو قيمنا لنا سيطرة كاملة، على سبيل المثال، على مسألة ما إذا تقيم الشهرة والثروة السعادة، أو الطمأنينة. إذا كنا نعيش أو لا نعيش في انسجام مع قيمنا هذه، بالطبع، مسألة مختلفة: إنه شيء لنا بعض السيطرة وليس السيطرة التامة عليه. إبيكتيتوس، كما رأينا، يعتقد بأن لنا سيطرة تامة على آرائنا. إذا كان يقصد بـ (آراء) آراءنا المتعلقة بالأهداف التي ينبغي لنا أن نضعها لأنفسنا أو آراءنا المتعلقة بقيمة الأشياء، إذا أنا أتفق معه بأن آراءنا عائدة لنا إنه شيء معقول بنحو جليّ بالنسبة لنا أن نقضي الوقت ونبذل الجهد ونحن نضع أهدافًا لأنفسنا وتحدد قيمنا . إن القيام بهذا سوف يأخذ وقتا وجهدًا قليلا نسبيا. وزيادة على ذلك، مكافأة اختيار أهدافنا وقيمنا بشكل صحيح يمكن أن تكون هائلة. في واقع الأمر، ماركوس يعتقد بأن مفتاح أن تكون لنا حياة كريمة هو أن نقيم الأشياء التي تكون ثمينة بنحو أصيل وألا نبالي بالأشياء التي تفتقر إلى القيمة. ويضيف قائلا لأننا قادرون على تحديد قيم الأشياء، فنحن قادرون أن نعيش حياة كريمة. وبصورة أعم، يعتقد ماركوس أنه من خلال تكوين الآراء بشكل صحيح - من خلال تحديد قيمة الأشياء بشكل صحيح - باستطاعتنا أن نتفادى كثيرا من المعاناة، والحزن والقلق وباستطاعتنا بالتالي أن نحقق الطمأنينة التي يسعى إليها الرواقيون (9). فضلا عن امتلاك سيطرة تامة على أهدافنا وقيمنا، يُشير ماركوس إلى مسألة أن لنا سيطرة كاملة على شخصيتنا. نحن، يقول، الأشخاص الوحيدين الذين بوسعهم أن يمنعوا أنفسهم من حيازة الطيبة والكمال. بوسعنا تماما، على سبيل المثال، أن نمنع الخبث والجشع من أن يجدا لهما موطنا في روحنا. إذا كنا قليلي الفطنة، ربما لا يكون بوسعنا أن نصبح باحثين، إنما لا يوجد شيء يمنعنا من أن ننمي عددا من الصفات الأخرى، بما فيها الإخلاص، الكرامة، والاجتهاد، والوقار؛ ولا يوجد أي شيء يمنعنا من أن نتخذ خطوات كي نكبح غطرستنا، وأن نسمو فوق الملذات الحسية والأوجاع، وأن نحول دون تمني الانتشار، وأن نتحكم بمزاجنا. وزيادة على ذلك، باستطاعتنا أن نمتنع عن التذمر، أن نراعي (حقوق ومشاعر الآخرين ونكون صريحين أن نكون معتدلين في السلوك والكلام، وأن نعتد بأنفسنا. هذه الصفات، يُلاحظ ماركوس، يُمكن أن تكون صفاتنا في هذه اللحظة بالذات - إذا ما اخترنا لها أن تكون

الآن دعنا نحوّل انتباهنا من جديد إلى الفرع الثاني من التفرع الثلاثي للسيطرة، إلى الأشياء التي ليس لنا سيطرة عليها البتة، من مثل ما إذا تشرق الشمس غدًا. من الجلي أنه شيء سخيف بالنسبة لنا أن نقضي وقتا ونبذل جهدًا في ما يتصل بعلاقتنا مع هكذا أشياء. ولأنه ليس لنا سيطرة البتة على الأشياء موضوع البحث، أي وقت نقضيه وأي جهد نبذله لن يكون لهما تأثير على نتيجة الحوادث وبالتالي سيكون وقتا وجهدًا ضائعين، وكما يلاحظ ماركوس: ما من شيء يستحق أن نفعله بنحو أحمق (11). هذا يأخذنا إلى الفرع الثالث من التفرع الثلاثي للسيطرة: تلك الأشياء التي لنا بعض السيطرة إنما ليس السيطرة التامة عليها. فكر، على سبيل المثال، بالفوز في مباراة للتنس. كما رأينا، مع أننا لا نستطيع أن نكون متيقنين من الفوز في المباراة، بوسعنا أن نأمل، من خلال أفعالنا، أن تؤثر في النتيجة؛ ولذلك نحن نمتلك بعض السيطرة إنما ليس السيطرة التامة عليها. إذا افترضنا أن الأمر هكذا، هل يرغب الشخص الذي يطبق الرواقية أن يشغل نفسه بالتنس؟ بالأخص هل ينبغي له أن يقضي وقتا ويبذل جهدا في محاولة منه للفوز بالمباراة؟ قد نعتقد أنه لا ينبغي له أن يفعل ذلك. لأن الرواقي ليس له سيطرة تامة على نتيجة مباراة التنس، هناك على الدوام فرصة بأن يخسر، لكن إذا خسر، فعلى الأرجح سيكون منزعجا، وسكينته سوف تُفسد. إنّ الطريقة الأسلم للفعل بالنسبة للرواقي، إذا هي أن يحجم، على ما يبدو، عن لعب التنس. من خلال استنتاج مشابه، إذا كان يُقدر سكينته، يبدو كما لو أنه ينبغي له ألا يرغب بأن تُغرم به زوجته؛ ثمة فرصة، بغض النظر عما يفعله، أنها لن تغرم به وسوف يكون هو كسير القلب. بالمثل، يتعين عليه ألا يرغب بأن تعطيه رئيسته في العمل ترقية؛ وهناك ثانية فرصة، بغض النظر عما يفعله أنها لن تُعطيه، وسوف يُصاب بالإحباط. في حقيقة الأمر، إن اتخاذ مسار التفكير هذا هو خطوة أبعد، الرواقي لا يتعين عليه حتى أن يطلب من زوجته أن تتزوجه، أو أن يطلب من رئيسته أن ترقيه، بما أنهما قد تختبان أمله. قد يستنتج المرء، بكلمات أخرى، أن الرواقيين يرفضون أن يشغلوا أنفسهم بأشياء لهم بعض السيطرة إنما ليس السيطرة التامة عليها. لكن بسبب أن معظم الأشياء التي تظهر في العيش اليومي هي أشياء لنا بعض السيطرة لكن ليس السيطرة التامة عليها، سوف يتبع ذلك أن الرواقيين سوف يشغلون أنفسهم بجوانب كثيرة من العيش اليومي. سوف يكونون بدلا من ذلك خاملين غير منجزين انطوائيين. في حقيقة الأمر، إنهم يشبهون أفرادا محبطين ربما لن يكونوا حتى قادرين على أن ينهضوا أنفسهم من السرير صباحًا. قبل أن نستسلم إلى هذا الخط من الجدال، يتعين علينا أن نتذكر أن الرواقيين لم يكونوا حاملين وانطوائيين على العكس، كانوا مستغرقين تماما في الحياة اليومية. ومن هذا، يستخلص أحد الاستنتاجين: إما أن الرواقيين منافقون لا يتصرفون وفقا لمبادئهم، أو يكون لدينا، في الجدال المذكور آنفا، قواعد رواقية أسيء فهمها نوعا ما. سأدافع عن هذا البديل الثاني. *** تذكر أن من بين الأشياء التي لنا سيطرة كاملة عليها هي الأهداف التي نضعها لأنفسنا. أعتقد بأنه عندما يُشغل الرواقي نفسه بالأشياء التي له بعض السيطرة إنما ليس السيطرة الكاملة عليها، من مثل الفوز في مباراة التنس، سيكون حريصًا جدًا في ما يتصل بالأهداف التي يضعها لنفسه. وبالأخص، سيكون حريصًا على وضع أهداف داخلية بدلا من أهداف خارجية. وهكذا، فإن هدفه في لعب التنس لن يكون الفوز في المباراة وهو شيء خارجي، له سيطرة جزئية فقط عليه)، بل أن يلعب بأقصى قدرته في المباراة (وهو شيء داخلي له سيطرة تامة عليه). من خلال اختيار هذا الهدف، سوف يوفر على نفسه الإحباط أو خيبة الأمل لو أنه خسر المباراة بما أنه لم يكن هدفه أن يربح المباراة، لن يفشل في بلوغ هدفه، طالما أنه لعب بأقصى قدرته. سكينته لن تُفسد. إنه شيء يستحق الملاحظة في هذه النقطة، هو أن اللعب بأقصى قدرتك في مباراة التنس والفوز في تلك المباراة مرتبطان من غير قصد. وبالأخص هل هناك طريقة أفضل لأن تفوز في لعبة التنس من أن تلعب بأقصى قدرتك ؟ أدرك الرواقيون أن أهدافنا الداخلية تؤثر على أدائنا الخارجي، إلا أنهم أدركوا أيضًا أن الأهداف التي وضعناها بوعي لأنفسنا يمكن أن يكون لها تأثير دراماتيكي على حالتنا العاطفية التالية. وخصوصا إذا وضعنا بوعي الفوز في مباراة التنس بوصفه هدفنا، نحن بنحو قابل للجدل، لا تزيد فرصنا في الفوز في تلك المباراة. في حقيقة الأمر، قد تلحق الضرر بفرصنا: إذا ما بدأ يبدو، في وقت مبكر، كما لو أننا سوف نخسر المباراة، ربما تصبح مرتبكين، وهذا من شأنه أن يؤثر سلبا على لعبنا في ما تبقى من اللعبة، وبالتالي تلحق الضرر بفرصنا في الفوز، وزيادة على ذلك، من خلال فوزنا في المباراة باعتباره هدفنا، نحن نزید دراماتیکیا فرصنا في زيادة انزعاجنا من نتيجة المباراة. لو أننا، من الناحية الثانية، وضعنا مسألة اللعب بأقصى قدرتنا في المباراة بوصفها هدفنا، نحن بنحو قابل للجدال لا تقلل فرصنا في الفوز في المباراة، لكننا نقلل فعلا إمكانية أن ننزعج من نتيجة المباراة. وبناءً على ذلك، إضفاء صفات ذاتية على أهدافنا في ما يتصل بالتنس يبدو أنه شيء لا يحتاج إلى مجهود عقلي: أن نضع هدفنا، أن نلعب بأقصى قدراتنا، له جانب إيجابي - كرب عاطفي متقلص في المستقبل - مع جانب سلبي قليل أو من دون جانب سلبي. وفي ما يتعلق بالجوانب الأخرى، الأهم من حياته، يكون الرواقي بالطريقة ذاتها حريصًا في ما يتصل بالأهداف التي وضعها لنفسه الرواقي الممارس يُبقي التفرّع الثلاثي للسيطرة في ذهنه فيما يؤدي واجباته اليومية. إنه يقيم نوعًا من فرز أولويات يُصنف فيه عناصر حياته إلى ثلاث فئات: تلك العناصر التي له سيطرة كاملة عليها، وتلك العناصر التي ليس له سيطرة عليها البتة، وتلك العناصر التي له بعض السيطرة إنما ليس السيطرة التامة عليها. الأشياء التي تقع في الفئة الثانية - تلك التي ليس له سيطرة عليها البتة - إنه يضعها جانبا بوصفها لا تستحق أن يقلق المرء بشأنها. وفي عمله هذا، يوفّر على نفسه قدرًا كبيرًا من القلق الذي لا حاجة له. سوف يُشغل نفسه بدلا من ذلك بأشياء له سيطرة كاملة عليها وأشياء له بعض السيطرة إنما ليس السيطرة التامة عليها. وحين يُشغل نفسه بالأشياء الواقعة في الفئة الأخيرة، يكون حريصا على أن يضع الأهداف الداخلية بدلا من الخارجية لنفسه وبالتالي يتجنّب كما كبيرا من الإحباط وخيبة الأمل


إرسال تعليق

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف