الرواقية- تحقيق ما تريد

مواضيع مفضلة

الاثنين، 11 نوفمبر 2024

الرواقية- تحقيق ما تريد

 الرواقية تقدم رؤية فريدة فيما يتعلق بكيفية تحقيق الإنجازات والتعامل مع الرغبات والأهداف. أحد المفاهيم الأساسية في الرواقية هو فكرة السيطرة، وهي تقسيم الأمور التي نواجهها في حياتنا إلى ثلاثة أنواع: أشياء نملك سيطرة كاملة عليها، وأشياء ليس لنا سيطرة عليها البتة، وأشياء لنا بعض السيطرة عليها ولكن ليس السيطرة التامة.

الهدف من هذا التصنيف هو أن نركز طاقتنا على الأمور التي يمكننا التحكم فيها، ونتجنب القلق بشأن ما لا نستطيع تغييره. فالرواقيون يعتقدون أن السعادة الحقيقية لا تأتي من محاولات تغيير العالم من حولنا، بل من تغيير أنفسنا ورغباتنا. إذا كانت رغباتنا تتماشى مع ما يمكننا تحقيقه، ستكون حياتنا أكثر هدوءًا وطمأنينة.

إبيكتيتوس، أحد أعظم مفكري الرواقية، يرى أن "بعض الأشياء عائدة لنا وبعضها ليست عائدة لنا". بينما يعتقد الناس غالبًا أن ما يزعجهم في الحياة يأتي من أشياء خارجية، فإن إبيكتيتوس يؤكد أن المشاكل الحقيقية تنبع من رغباتنا الداخلية. إذا ربطنا سعادتنا بما يمكننا تحقيقه فقط، وإذا تخلينا عن السعي وراء ما لا نستطيع التحكم فيه، سنعيش حياة أكثر هدوءًا وسكينة.

إن الرغبة في أشياء غير متاحة لنا تؤدي إلى القلق وخيبة الأمل. لذلك، ينصحنا إبيكتيتوس بأن نسعى فقط لتحقيق ما نعرف أنه في متناول أيدينا، مثل السعي لتحقيق أهداف داخلية وتطوير قيمنا الشخصية. قد ننجح في تغيير العالم من حولنا، ولكن النجاح الحقيقي هو في أن نغير أنفسنا بطريقة تتماشى مع قيمنا وأهدافنا الداخلية.

إذا نظرنا إلى الحياة من خلال هذا المنظور، نجد أن الرواقيين يرفضون الانغماس في الأشياء التي لا يمكنهم تغييرها، مثل تقلبات الطقس أو تصرفات الآخرين. بدلاً من ذلك، يركزون على ما يمكنهم تغييره، مثل تحسين أنفسهم، وتعزيز صفاتهم الشخصية، وتطوير مهاراتهم.

فيما يتعلق بالإنجازات، لا يجب أن تكون أهدافنا مرهونة بنتائج خارجية نادرة أو غير مضمونة، مثل الفوز في مسابقة أو الحصول على ترقية في العمل. بدلاً من ذلك، يجب أن تكون أهدافنا مرتبطة بما يمكننا التحكم فيه مباشرة. على سبيل المثال، في مباراة التنس، يمكننا أن نجعل هدفنا هو أن نلعب بأقصى قدراتنا، بدلاً من أن يكون الهدف هو الفوز. هذا النوع من الأهداف الداخلية يساعدنا على تقليل القلق والضغط، وفي الوقت نفسه، يعزز فرصنا في النجاح، لأن الأداء الأفضل هو ما يقودنا في النهاية إلى النجاح.

أهدافنا الداخلية هي التي يمكن أن تحقق لنا الإحساس بالإنجاز الحقيقي. بدلاً من الانشغال بالنتائج التي قد تكون خارجة عن سيطرتنا، نجد السعادة في العملية نفسها. نحن مسؤولون عن تحديد أهدافنا، وإذا ركزنا على الأهداف التي يمكننا التحكم فيها، فإننا نعيش حياة مليئة بالسلام الداخلي، بعيدًا عن التوتر والقلق الذي ينبع من السعي وراء أشياء لا نملك السيطرة عليها.

في الحياة اليومية، الرواقيون يعطون الأولوية للأشياء التي يمكنهم التحكم فيها، ويجنبون أنفسهم القلق بشأن ما لا يمكنهم تغييره. وهم بذلك يحققون أكبر قدر من الطمأنينة والإنجاز. إذا ركزنا على تحسين أنفسنا وتطوير أهداف داخلية، فإننا نكون قد وضعنا الأسس لحياة كريمة مليئة بالنجاح الداخلي، بعيدًا عن الشعور بالإحباط أو خيبة الأمل.

في إطار الفلسفة الرواقية، تعتبر الإنجازات الصغيرة والتقدم البسيط خطوة أساسية نحو حياة مليئة بالسلام الداخلي والطمأنينة. يُشدد في الرواقية على أن الرغبة في الإنجاز يجب أن تكون متصلة بالأهداف التي يمكننا السيطرة عليها، وهذه الأهداف غالبًا ما تكون بسيطة ولكنها فعّالة. إن التركيز على تحقيق إنجازات صغيرة يومًا بعد يوم يمكن أن يؤدي في النهاية إلى نتائج عظيمة لم تكن تتوقعها أو تخطط لها.

الرواقية لا تشجعنا على التطلع إلى نتائج ضخمة فورية أو أشياء تقع خارج نطاق سيطرتنا. بدلاً من ذلك، تدعونا لتوجيه اهتمامنا إلى الأهداف الداخلية التي نملك القدرة على التحكم فيها. فحتى إذا كانت الإنجازات التي نسعى إليها تبدو صغيرة أو متواضعة، فإن الرواقية تذكرنا أن هذه الإنجازات هي الأساس الذي يبني عليه الشخص نجاحاته المستقبلية.

عندما نركز على ما يمكننا التحكم فيه — مثل تحسين قدرتنا على التركيز، أو الالتزام بعادات يومية إيجابية، أو حتى تطوير مهارات جديدة — فإننا لا نكون فقط نحقق تقدما ملموسا نحو أهدافنا، بل نساهم في بناء حياة أكثر انسجامًا مع قيمنا الداخلية. ومع مرور الوقت، تزداد هذه الإنجازات الصغيرة في القيمة وتنتج عنها آثار غير متوقعة. قد يكون الشخص الذي بدأ بتطوير عاداته اليومية البسيطة قد وصل في النهاية إلى نجاحات أو فرص لم يكن يتصورها في البداية.

في هذا السياق، تعتبر الفلسفة الرواقية أن السعي وراء أهداف داخلية، حتى لو كانت بسيطة، ليس مجرد وسيلة لتحسين الذات، بل هو أيضًا طريق لتحقيق شيء أكبر. أحيانًا تكون هذه الإنجازات الصغيرة هي ما يفتح أمامنا الأبواب التي قد تكون مغلقة أمامنا إذا نظرنا إلى الحياة فقط من خلال عدسة الأهداف الكبيرة. مثال على ذلك هو الشخص الذي بدأ بتعلم مهارة جديدة يوميًا، من خلال التزامه وتطويره المستمر، قد يجد نفسه في موقع لم يكن يتوقعه — سواء في حياته المهنية أو الشخصية.

إن الرواقية تعلمنا أنه لا يجب أن ننتظر اللحظات الكبرى لتحقيق نجاحات ضخمة. بل، من خلال التركيز على الأهداف الصغيرة والداخلية، نكتشف أن النجاح الكبير يمكن أن يأتي كنتيجة طبيعية لما كنا نعتقد في البداية أنه مجرد خطوات صغيرة وعادية. وكل إنجاز صغير نبذله هو خطوة أقرب لتحقيق ما قد يبدو مستحيلاً في البداية.

وبناءً على ذلك، يمكننا أن نرى أن الرواقية لا تقتصر على تجنب القلق أو تقبل ما لا يمكن تغييره فحسب، بل تشجع أيضًا على اتخاذ خطوات صغيرة وواقعية نحو تحقيق أهداف شخصية قابلة للتحقيق، وتعلمنا كيف يمكن لهذه الخطوات أن تؤدي إلى نتائج لم تكن في الحسبان، ولكنها تصبح، بالنهاية، جزءًا من رحلة النجاح المستمر.



إرسال تعليق

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف