ما هو التأمل و ما هو القرد المجنون ؟
سلاماً و حرية
يتسائل الكثير عن ماهية التأمل و يحاولون معرفة معنى التأمل، لذلك يطرحون هذا السؤال بشكل مستمر
فما هو التأمل ؟
أيها المتنور التأمل ليس في كيفية جلوسك أو نوعية ملابسك أو المدرسة التي تنتمي لها و ليس هو الرياضات الروحية التي تمارسها
أو التقنيات النفسية أو غيرها
التأمل ليس مجرد جلسات الإسترخاء و التنفس العميق، بل هو نابع من البحث و الإستكشاف؛ بحث عن جواب للسؤال من أنا ؟
من أنا ؟ ليس سؤالاً سطحياً و جوابه لا نبحث عنه في الإنترنيت أو الكتب أو عند الفلاسفة أو عند علماء الطبيعة
الجواب نبحث عنه بداخلنا، نستكشف من نحن و من نكون دون الإعتماد على آراء أي شخص
في البداية قد تتوصل لجواب بديهي مثلاً أنا خالد أو حسن أو فاطمة أو سارة، أنا عامل، أنا طبيب، أنا أستاذ ، أنا مهندس...
أو أنا حاصل على درجة دكتورة و لدي هواية الرسم أو الموسيقى أو لدي أصدقاء و أسكن في مكان محترم إلى غير ذلك
كل هذه الأجوبة هي صحيحة نعم، أما إذا استطعنا أن نزيل كل هذه الأقنعة أو الأجوبة التي نختبئ ورائها
حينها نقول جميعنا: أنا إنسان، أنا عقل، أنا روح، أنا جسد ...
و كلها أيضاً اجوبة صحيحة، أما إذا تجرأنا قليلاً فسنحقق قفزة عظيمة على مستوى وعينا، بحيث سندرك أن الجسم ما هو إلا أعضاء
في غاية التناسق و انظمة جد ذكية و كلها تعمل في تناسق عظيم و إذا حاولنا التعرف عليها أكثر سنجد أنها في غاية الذكاء و الحياة
و أنها تشاركنا نفس هذا العقل،
لماذا في بعض الأحيان نحزن لمجرد سماعنا لكلمة ينطق بها احدهم، و لماذا حين نكون في قيمة السعادة نشعر بأن العالم منسجم معنا
هذه طبعاً بعض الأسئلة التي نطرحها ونحن في التأمل.
و التأمل ليس هو الإنعزال في كهف من الكهوف و ممارسة طقوس معينة بعيداً عن الناس، بل على العكس يمكنك التأمل و أنت في بيتك أو جالس في مكتبك
و هذا سيجعلك يقظاً و منتبها لنفسك و مراقبا لها ، و هذه هي الشعلة أو النور أو الوعي الذي نوقظه فينا بعد ممارسة التأمل.
ممارسة التأمل تعني أن اطرح اسئلة جوهرية عني أنا، من أكون و لماذا أفعل ما أفعله حالياً،و هذا يولد بداخلنا مراقباً حياً لأي فعل أو سلوك نقوم به في حياتنا
و نستكشف الدافع الحقيقي لهذا الفعل، و عندما نطرح هذه التساؤلات يجب أن ننسى كل معرفتنا السابقة و لكي تتفادى المعرفة المسبقة يجب أن توقف تفكيرك
و معنى أن توقف التفكير؛ أن لا تجعله يفكر بالنيابة عنك، بمعنى أوضح عقلنا ممتليء بالافكار الدخيلة علينا و التي لا تعنينا بالضرورة، لذلك لا يجب أن نسمح لهذه الأفكار
التي لا تعنينا أن تفكر بالنيابة عنا، لانه سيحكمنا و سنكون مجرد خدم لديه.
هناك حكمة قديمة عن التأمل تقول : أن التفكير عبارة عن قرد مجنون ، هذا القرد سيزعجك طول اليوم و هذا هو عمله، لن يجعلك ترتاح، و عمله هو أن يعطيك مشاكل و أخطاء
تناقشها بإستمرار، و حين تناقشها يفرح لأنك وقعت في فخه، و لن تركيز بل ستكون مشتت الإنتباه طول اليوم ، لكن إذا راقبت هذا القرد لكي لا يصنع لك مشاكل حينها يفقد
عمله، و قريباً سيفقد بيته.
هذه الحكمة القديمة هي جوهر التأمل
حاول أن تتعرف أنت أيضاً عزيزي القاريء على قردك المجنون، لأنه ينتظر فقط أن تنتهي من قرائتك لهذه السطور حتى يدخلك مجدداً في مشاكل و مشاعر سلبية و مقاومة الواقع
إنه قرد غير مروض لذلك حاول أن تروضه من خلال تساؤلاتك المنطقية، و كن مروضاً بارعاً
ففي حياتنا اليومية القرد يقول لنا إذهب لهناك فندهب أو يقول لنا حاول أن تبحث عن شخص ما فنبحث عنه ، أو يذكرنا بذكرى سيئة فيغير كل مزاجنا
أو يفرض علينا مناقشة إقتراح معين لا علاقة له بالواقع فنتبعه في جنونه
إذا استطعنا مراقبة جنون هذا القرد، نعيش مباشرةً في تقبل كامل للواقع و تقبل كامل للحظة الحالية، و في سريان و تدفق و في سلام داخلي كبير .
أيها المتنور دمت في حرية و سلام
إرسال تعليق