سلاماً و حرية
هل سمعت سالفاً بفوائد التأمل الذاتي ؟
و هل لديك فكرة مسبقة عن أنواع التأمل المنتشرة في يومنا هذا ؟
إن التأمل هو ممارسة يقوم من خلالها المتأمل بتدريب عقله لتحفيز قدراته الذاتية و تحفيز قدرته على الوعي، و هو ليس إسترخاءاً و إستجماماً كما هو منتشر في يومنا هذا، بل هو نمط حياة
يسعى من خلاله المتأمل الوصول لحالة نفسية أكثر سلاماً ليستطيع التواصل مع ذاته العليا (ذاته الكونية) .
ظهرت إلى العلن في يومنا هذا، الكثير من أنواع التأمل من قبيل : التأمل اليوجي، التأمل التجاوزي،التأمل من خلال التنفس،التأمل في الطبيعة و غيرها كثير جداً
كما مدارس التأمل المختلفة التي كانت منتشرة منذ آلاف السنين
أما بالنسبة للمتنور، فهو يعتقد بأن التأمل الحقيقي ليس مرتبطاً بنوعية المدرسة التي تنتمي لها، أو نوعية التأمل الذي تمارسه، بل التأمل هو قدرتك على تحفيز مستويات وعي جديدة
من خلال طرح السؤال و مناقشة مسلماتك و تعريضها للشك في مقابل إكتشاف من تكون
و هذه العملية صعبة جداً و مكلفة نفسياً و روحياً لما لها من تأثير على حياتك النفسية و الإجتماعية و كذا الروحية خصوصاً في بداية التأمل .
يدخل المتأمل في بداياته الأولى حالة نفسية غير مستقرة يشعر فيها بالغرابة، كما أنه قد يتصرف بسلوك غير طبيعي كالميل للإنعزال، و قد تظهر عليه أعراض الإدمان على التأمل و الإسترخاء, إلا أن مدارس التأمل تعتبر هذا، شيئاً طبيعياً.
بالنسبة للمتنور التأمل ليس أن تصمت كثيراً دون سبب و بدون غاية، الصمت ليس تأملاً، بل هو جزء أساسي من التأمل،
التأمل هو إنضباط على قيم روحية، لا نستطيع معرفة قيمتها الحقيقية إلا حين نلامسها و نعيشها فعلياً على أرض الواقع
و هذه القيم الأساسية هي ضرورية جداً بالنسبة للمتنور و هي التي تشكل الطريق نحو بناء حالة عقلية جديدة و تحفز لمستويات وعي جديدة و مشرقة
أول هذه القيم هي قيمة السلام الداخلي، التي تعتبر القيمة الأساسية و القاعدة لبناء أية حالة نفسية جديدة
فكما يقول المتنور إذا لم يكن هنالك سلام داخلي فليس هنالك شيء ، و إذا كان كل شيء و لم يكن هنالك سلام داخلي فليس هنالك شيء
إن الكثير من المتأملين يغفلون هذا الجانب المهم و تثيرهم أشياء أخرى من قبيل: إمتلاك عقل غير محدود أو التأمل من أجل رفع الذبذبات الروحية للحصول على منزل فخم أو إمتلاك سيارة فارهة أو زوجة حسناء
و ذلك حسب النية التي يتبناها كل متأمل أو ما يريد جذبه إلى حياته،
لكن لا يتسائل الكثير عن السلام الداخلي و بالكاد نعرف أن السلام هو حالة اللاعنف أو حالة السكون و الإسترخاء
بينما السلام الداخلي ليس سكوناً و لا إسترخاءً، السكون و الإسترخاء لها علاقة بالجسد
كما حالة اللاعنف لها علاقة بالعنف، أما السلام لا يمكن معرفته من خلال الفكرة و لا تحديد طبيعته من خلال المعاني التي نستخدمها
إن السلام هو لا شيء مما تعرفه عنه
السلام لا شيء على الإطلاق، لا شيء؛ و لكن إذا حاولت فهم هذا السلام الداخلي من خلال ربط أفكار بأخرى،حينها يصبح شيئاً ذو معنى و بالتالي لم يعد يعبر عن السلام
و ثاني هذه القيم التي تشكل طريق المتأمل بالنسبة للمتنور هي: قيمة المحبة
المحبة ليست مقتصرة على العلاقة بين الذكر و الأنثى أو الرومانسية المروج لها في وسائل الإعلام، بل المحبة قيمة روحية و لا يمكن إستيعابها من خلال الفكر،
بل العقل المسالم و الذي يدرك السلام الداخلي من يمكنه إدراك المحبة
أما العقل الممتليء بالرغبات و المندفع بقوة لتحقيق رغباته الجسدية و لإشباعها، لا يستوعب المحبة، و عكس ذلك فهو يميل بشكل تلقائي إلى التدمير و إلى العنف
لأنه ببساطة لا يرى المحبة و لا يفهمها، و هو بشكل لاواعي يميل إلى الفوضى و إلى الإندفاع و العجلة و الإرتباك على حساب المحبة
إن المحبة هي القدرة على الإحساس، و من خلالها يمكننا التحرر من الأنانية و العنف و كذا الجهل
فالمحبة رقي و تجعلنا ندرك جانبنا الإنساني المشترك و تضيء حياتنا أكثر
المحبة و الإنسانية هي ما يجمعنا و هي حالتنا الأصلية .
نتخلى و ننسحب من كل شيء من أجل اللاشيء من أجل السلام و المحبة، من أجل أن نستمع لقلوبنا من أجل أن نكتشف من نحن و إلى العيش بصدق و وضوح مع ارواحنا، لا نخاف ابدا من الصدق مع ذواتنا، بل نخاف من العيش في بيئة مزيفة، الإنسانية واحد كلنا واحد و ليس هناك إنسان منطقي و آخر لا، إنما هناك انسان يرى الواقع من زاوية و آخر من زاوية أخرى، ليس هناك شخص يمتلك هالة مقدسة و آخر لديه هالة نورانية ضعيفة ليس هنالك إنسان لديه قدرات عالية تفوق الإدراك البشريو آخر لا،
كل إنسان لديه قدرات عظيمة سواء أدركها ام لاو لا يجب تصنيف الناس من خلال امتلاكهم للهالات او القدرات الخارقة بل نحن جميعنا واحد، على المستوى الروحي و العقلي و كل شخص في داخله رغبة داخلية تسعى لمعرفة الأشخاص و هذا شيء فطري في داخلنا فكل شخص يسعى لمعرفة شخص آخر هو في الحقيقة يسعى لمعرفة نفسه لمعرفة أصله الحقيقي، لمعرفة تجربة الإنسانية.
أما القيمة الثالثة التي يصادفها المتنور في رحلة بحثه عن ذاته، فهي : الحرية
الحرية حالة داخلية اولا و عندما نشعر بالحرية في الداخل نشعر بها أيضاً في الخارج ، و نستعد لعيش أعظم حياة ممكنة
الحرية هي حرية من العقل الزمكاني الذي يعتمد على الزمكان في تحديد الهوية و الذي يصنع قوالب التفكير و الذي يعتمد منطق جامد و أسلوب حياة محدد .
هذه الحرية هي ضرورة إنسانية من أجل إعادة الإتصال بالذات الكونية و حقل الطاقة الكونية
فالفكرة لها سلطة قوية لأنها تستطيع تغيير ادراكنا بسهولة كبيرة ولأن الفكرة لها جاذبية غير عادية نحو ادراكنا فإنها تغير واقعنا من خلال تغيير تركيزنا و تفكيرنا و مشاعرنا
و عليه فإن الحرية من الفكرة هي إنفتاح على إدراك جديد كلياً
أما القيمة الذاتية الرابعة تتمثل في الجمال
الجمال الذي أعني به التعبير عن الاختلاف و عن التميز و إدراك الاختلاف والتميز . و تقدير هذا الاختلاف في النفسيات و الاختلاف في الإدراك و الوعي. لأن هناك قوة في الواقع تحرك الناس والأحداث من أجل إحداث التوازن في الواقع تحرك الجميع من أجل غاية محددة سالفا غاية الإتحاد . فالعلاقات الاجتماعية وطبيعة الأحداث التي نرتبط بها نفسياً بشدة و حين نحاول التحرر من تأثيرها علينا فإنها تعمل على تذويب و ضرب الشخصية و ربما نفقد السيطرة جراء ذلك
لأننا تماهينا نفسياً مع هذه الأحداث و العلاقات و هذا التماهي مرهق تماما للشخصية لأن الشخصية لا تستطيع السيطرة على ما هو خارجي عكس الداخل ولذلك فإنها تعمل على التوقع و طرح فرضيات كثيرة وتعمل على التحليل و البحث المرهق للإجابة عن تساؤلات تتعلق بالآخر و المجتمع وأحداث الخارج . : و بالتالي تكتشف الشخصية أنها عاجزة تماما عن ذلك و لأول مرة تفقد تحكمها و تفقد هبتها و تضل عاجزة عن الفهم والاستيعاب عاجزة عن استيعاب مايحدث و لا توقع ما سيحدث. وهي عالقة بين الجهل و الزمن النفسي المؤدي لتمزق في الشخصية و ما عليها حينئذ سوى التسليم و التواضع و الصمت أمام عظمة الجمال الجمال الذي يحرك كل شيء سالفا من أجل غاية الاتحاد بالذات الحقيقية
لا يمكننا إدراك الجمال إلا بعقل متحرر من سلطة الفكرة و متحرر من التماهي مع العقل الجماعي و الأحداث التي نعيشها في الواقع،
فالجمال نتيجة الحرية و الدراما نتيجة الخوف،
الجمال الروحي هو نتيجة لاستيعابنا أن الكمال حالة عقلية، و أن كل شيء كامل لولا الخوف
فالخوف لا يجعلنا نستوعب الجمال، و هو نفسه الدافع الذي يغطي بصيرتنا بأفكار اندفاعية تعمينا عن رؤية الجمال .
القيمة الأخيرة هي : الإتحاد
الإتحاد أن تكون واحد و ليس إثنان أن تكون يستدعي الإتحاد بذاتك الكونية و التخلي عن العيش و الإرتباط بالشخصية و التماهي في الواقع
الإتحاد الكلي بالذات الكونية هي حالة إنفتاح الذات الكونية و ظهورها الكامل في مقابل النفس الإنسانية
الإتصال بالذات الكونية لا يحتاج أي تجديد أو خلق أو إبداع . هو تذكر قبل أن يكون أي شيء آخر و هذا التذكر يحتاج الإنتباه للداخل، لنبضات قلوبنا، لنورنا الداخلي
الإنسان الكوني هو إنسان يتعدى الفكر المبتذل القائم على المقارنات و الرغبات و الذي يبني قيمته الذاتية إنطلاقاً من الواقع الخارجي، بل الإنسان الكوني يحس و يدرك أن الجميع واحد و نابع من مصدر واحد و لذلك لا يبحث عن قيمته الذاتية ، بل هو لا يحتاج لاثبات ذاته أصلاً الذات الكونية بداخلنا تعيش و لا تسعى لاثبات ذاتها
Post a Comment