مرحباً أيها المتنور
هناك محيط من الوعي الكوني الذي يحيط بنا من كل جانب، و علينا كأفراد التناغم و الإتحاد مع هذا الوعي،فمن خلال الإتحاد به نتحرر من المشاعر السلبية و كذا الأفكار السلبية التي تجعلنا منفصلين عن هذا الحقل
فكيف يمكننا التناغم مع هذا الوعي الكوني؟ و كيف هي طبيعة الوعي الكوني ؟
إن الوعي الكوني محيط ينبض بالحياة و بالجمال، و هو شيء لا يمكن فهمه بوعينا الفردي الذي يعتمد على الحواس في فهم و إدراك الواقع
حين نعتمد على الحواس فإنه لا يمكننا إدراك حالة الإتحاد بالذات الكونية و بالتالي لا يمكننا إدراك قوتنا الحقيقية
ذلك لأن حواسنا لا تستطيع إدراك إلا ما هو ملموس وهنا نفتقد ذاتنا الكونية وننساها.
ويصبح العقل في حالة من الاندفاع والعجلة والارتباك بحثاً عن ذاته الكونية، يندفع لكل ما هو ملموس بحثاً عن إشارة منها
و يربط قواه الطبيعية بأشياء مادية و خارجية، و يحاول الوعي الفردي البحث عن طريقة ما للتواصل مع ذاته الكونية
و في غالب الوقت يبحث عن أشياء تتوسط بينه و بين ذاته الكونية،لأن الوعي الفردي لا يستطيع أن يكون إلا من خلال أشياء خارجية موجودة في واقعه، أو من خلال معتقدات جمعية أو أفكار يتبناها سالفاً
إن الوعي الفردي ما هو إلا أفكار تغطي عنك الحقيقة، بينما ما تعتقد أنه مسلمة هو الخطأ نفسه
إنني كوعي فردي مخطيء، لأني أحاول إثبات أني على صواب و أن الآخر مخطيء
لا أحد منكما على صواب و لا على خطأ، أنتما تعيشان مهزلة !
العقل الذي يعتقد بفكرة الخطأ و الصواب، لم يتأقلم بعد مع حقيقة أنه لا شيء في جوهره، لا يريد أن يتحرر من جاذبية الفكرة لأنها تحجب عنه الأذى الذي لا يستطيع تحمله
في الحقيقة الفكرة لا تحجب أي أذى، بقدر ما تستنفذ طاقاتك الذاتية و تستهلكك.
غير الآلية التي تعتمدها من أجل الحفاظ على طاقاتك الذاتية و صحتك النفسية في بيئة غير صحية و من أجل الحفاظ على التوزان في بيئة غير صحية، إلى آلية جديدة ترى أن دوافع الآخرين كلها جيدة
و لا داعي للخوف من الآخرين، و من آرائهم و من جهلهم وعنادهم، و لا داعي لرغبتك في إثبات صحة قراراتك و أفكارك للآخرين
دع الآخر يكون كما هو، دع الآخر يعبر عن من يكون، دع الآخر يعبر عن نفسه في أفعاله
لا تتوقع منه أي شيء، و لا تنتظر منه المقابل، و لا تعلق آمالك عليه، دعه يكون كما هو حتى النهاية، فالآخر ليس إلا تجلي لمعتقداتك و أفكارك عن الناس لا أقل و لا أكثر
و الذي يهمنا هنا هو أن نعيد ترتيب معلوماتنا بشكل مناسب، فالآخر بالنسبة للمتنور دوافعه الحقيقية هي دوافع خيرة، و لا يوجد إنسان لا يمتلك دافعاً خيراً، بل كل دوافعنا خيرة و من ورائها أشياء خيرة
و علينا إدراك هذا جيداً و التأمل فيه كثيراً، الدافع الذي يحرك الآخر هو المحبة و الجمال و البهجة، يريد الآخر أن يكتشفك و تريد أنت أيضاً أن تكتشف الآخر، هنالك فضول، هنالك رغبة ملحة في ذلك
دافع الإكتشاف و المعرفة، أن تكتشف الآخر و أن تراه كما هو، لا كما تريد أنت
أن تراه كما هو حقيقةً الذي يعني أن تراه متحرراً من أفكارك عنه، و متحرراً من رغباتك الأنانية و من رغبتك الملحة في أن تكون ما تريد أن تكون، و أن تستطيع النظر للعالم من حولك كما هو، لا كما أفكارك و حالتك النفسية،
لأن حالاتك النفسية غير مستقرة و غير ثابثة، و هذا يؤثر في ما تراه بشكل واضح و جلي،
حالاتنا النفسية رهينة بظروفنا و رهينة بطبيعة الحياة التي نعيشها، و تغيير حالاتنا النفسية يعني بشكل ما تغيير طبيعة حياتنا و عاداتنا اليومية.
ففي النهاية،ما نمارسه في حياتنا يؤثر على حالاتنا النفسية بشكل واضح، و هناك علاقة بين حياتك الإجتماعية و تركيبتك النفسية، ما تعيشه في بيئتك يؤثر على نفسيتك، و كذا مستواك الإجتماعي يتأثر بحالتك النفسية
و لا يمكنك أن تقدم أي قيمة مضافة لحياتك مادام ذهنك غير مستقر و غير هاديء
و السؤال المطروح هو لم العقل غير هاديء؟ كيف نتأثر بمن حولنا ؟ و لم نميل للفوضى على حساب هذا الهدوء و الإستقرار النفسي؟
إن العقل غير هاديء لأنه في صراع، في خلاف، هناك تضاد، هناك أفكار تصارع أفكاراً أخرى، هناك لا توازن، هناك تناقضات بداخلك
طالما هناك تناقضات، هناك خلاف و مقاومة و تضاد، و هناك تشويش، و هذا التناقض نتيجة خلاف بين نسختك القديمة و الجديدة، ماضيك يرى أن دوافع الآخرين ليست جيدة و ما عشته هو الحجة و الدليل القاطع
و يستدعي تلك الذكريات إلى دماغك حتى تستطيع رؤيتها، أما نسختك الجديدة تؤمن بشكل ما أن دوافع الآخرين خيرة، و أن هناك دافعاً واحداً هو المحبة و الإستكشاف و الإستمتاع و السعادة و البهجة.
دافع المحبة يظهر في أرضية سليمة من الكراهية و الحسد و إحتقار الآخرين، دافع المحبة يبزغ في بيئة تؤمن بالمساواة و تؤمن بك كإنسان و تكفل لك حقك في الخطأ، و كذلك السعادة تكون في بيئة تؤمن بالإنسانية و تكفل لك الحق في الخطأ، دون شعور بالذنب أو بالنقص،الذي يحدث في مثل هذه البيئات هو أنك تشعر بالثقة و تعبر عن نفسك بكل عفوية دون إستحضار الآخر
إستحضار الآخر أو مراءاة الآخرين هو مشكلة عويصة جداً تعمل على التأثير على قراراتك و سلوكاتك و بالتالي على مصير حياتك
أيها المتنور دمت في حرية
إرسال تعليق