مرحباً أيها المتنور
العقل الذي يشعر يخلق للإنسان مشكلة و يجعله مضطرباً بشكل لا يصدق، فهو يفكر بطريقة منطقية صحيحة
إلا أن مشاعره و أحاسيسه تقف ضده في كل مرة ينوي فيها تحقيق شيء ما
إن العقل العاطفي جعلنا نتراجع للخلف أكثر مما فعله أي شيء آخر، نتألم في كل مرة نسعى فيها لتحقيق شيء ما أو لإبداع شيء من الأشياء
إن الألم يقف ضد افكارنا و بالتالي يقف ضد تطورنا في جميع مناحي الحياة، و هذا جعلنا أقل إبداعاً و أقل سعيا للتطور
رغم الظروف المواتية و الحرية التي نتمتع بها اليوم لم نعد نستطيع أن نكون أحسن من ذي قبل، و هذا راجع بالأساس لعقلنا العاطفي
الذي يفرز المزيد من الألم في كل مرة نريد فيها أن نكون مثل افكارنا المنطقية المتطورة .
إن الديمقراطية وفرت للجميع الحرية في إختيار ما يريد و عيش الحياة التي يريد بالطريقة التي يريد
إلا أن هذه الحرية جعلت الإنسانية تطور كل وسائل الراحة الممكنة هروباً من الألم و المعاناة
فلم نعد نريد إلا الهروب من مواجهة آلامنا،
أصبحت التكنولوجيا توفر لنا عناء كل شيء، نعتمد على التكنولوجيا
في إنجاز أعمالنا من أسهلها إلى أعقدها
لم نعد نريد إلا الراحة و النوم و مشاهدة مسلسلاتنا الدرامية، و المزيد من المتعة و الراحة و الإستجمام
أصبح الإنسان يخاف من مواجهة آلامه و لم يعد يريد أن يكون أحسن من ذي قبل، و لا يأمل في غذ مشرق
يريد أن يمتلك كل شيء دفعةً واحدة، يريد من يوفر له كل شيء
يكره الإنسان الإلتزام و يعتقد أنه ممل و فيه الكثير من المعاناة !
بل أصبحت كل افكارنا موجهة لتخفيف آلامنا .. لم نعد نطيق المعاناة بكل اشكالها !!
نحن الآن اصبحنا في مواجهة مباشرة ضد أنفسنا لم نعد نطيق المعاناة النفسية الموجودة في عقلنا العاطفي
لا نريد أن نكون محدودين بخوارزميات العقل العاطفي
بمعنى أوضح : لا نريد أن نكون عبيداً لعواطفنا .
لذلك فالعالم يتوجه إلى الإعتماد على شيء أكبر من قدراته، يوفر له كل ما لم يستطع الحصول عليه بنفسه
شيء يفوق ذكاء العقل البشري نفسه.
و لا يمكن أن يكون هذا الشيء إلا التكنولوجيا نفسها التي أفنينا عمراً في صنعها وتطويرها إلى الحد الذي أصبحت عليه الآن
فمن خلال الهواتف الذكية يمكننا الوصول إلى ملايين الأشخاص
و التواصل معهم و لو كانوا بعيدون عنا لآلاف الكيلومترات !!
بل نستطيع الوصول لمعلومات لا نهائية في ظرف وجيز جداً ! و تجعلنا أيضا نلتقي مع من لديهم نفس ميولاتنا الثقافية
من خلال وسائل التواصل الإجتماعي
و تجعلنا نحصل على المزيد من المتعة و المزيد من الراحة و المزيد من كل شيء نرغبه
إن الذكاء الإصطناعي يتطور بشكل لا يصدق و كذا إعتمادنا عليه يزداد يوماً بعد يوم .
حسب الخبراء ستستغني الإنسانية عن الكثير من الوظائف لحساب الذكاء الإصطناعي، ما يعني أن الكثير منا سيجد نفسه دون عمل
ستصبح الإنسانية معتمدة على الذكاء الإصطناعي أكثر من الذكاء البشري نفسه
مما سينتج مجتمعا غريباً و أشبه بالخيال،لا يمكننا فيه تمييز الإنسان عن الآلة
لأنهما اتحدا مع بعضهما البعض (ما يسمى بالسنجلرتي)
مما قد يطرح مشكلات وجودية كثيرة في المستقبل .
إن الانسان و في ثورته ضد نفسه (ضد عقله العاطفي) يدمر نفسه بنفسه،
فهل يؤدي بنا هذا التدمير الذاتي إلى الإنقراض قريباً ؟
إن البحث عن السعادة هو الذي جعل الإنسانية تصل لهذا الحد،من خلال تجنب كل الآلام و المعاناة
فهل عندما نختار مثلاً أن نواجه هذه الآلام و نتقبل معاناتنا و قدرنا سنعيش واقعاً آخر مختلف ؟
هل AMORFATI أو ما يسمى بحب القدر الذي يعني التقبل الكامل لحياتنا و حدود العالم الكوني
و الإذعان لقوانينه هو ما سيشكل الفارق في المستقبل؛ أن نكون أكثر إنسانية ؟
إن تقبل المعاناة إلى آخر النفق يولد الشغف؛ شغف الحياة الذي يجعلنا نحس بالجمال الكوني
و إن هناك حرية حقيقية في الإلتزام و الانضباط و العمل الشاق أفضل من الحرية الزائفة الموجودة في المتعة
ووساءل الرفاهية الاخرى .
على المتنور أن يدرك هذا و نحن نعيش حقبة جديدة في تاريخ الإنسانية، علينا إدراك أن الإلتزام و الإنضباط فيهما حرية لا تقارن بأي حرية أخرى
و علينا الإلتزام و الإنضباط بالفضيلة و العمل الجاد،
الفضيلة نقصد بها السلام الدخلي و الإنضباط على التسامح مع الجميع و المساواة و محبة واقعنا و تقبله كيفما كان
و محبة أقدارنا و حياتنا ككل و علينا أن لا نفتتن بكل ما يروج له من إغرائات و أوهام ليس لها أي هدف سوى أن تجعلك عبداً لها
توهمك بالسعادة و المتعة و الحرية إلا أنها في نهاية المطاف تقودك إلى تدمير ذاتك .
إن التكنولوجيا قد تستعبد الكثير من الناس و تقتل الكثير كما تفعل الثورات و الحروب
و انها أيضا قد توفر للكثير من الناس وسائل الراحة و المتعة التي لا تنتهي
و من الممكن أيضا أن توفر لنا عمراً مديداً و صحة و نظافة و غذاء صحي
فالذي يحدد التايم لاين الخاص به هو الفرد نفسه،من خلال وعيه و استيعابه لماهية السعادة.
أيها المتنور السلام لك .
Post a Comment