سلام و حرية
إن الطريق إلى اليودايمنيا (السعادة) حسب الرواقيين،يكون بتقبل الحاضر و عدم الإنقياد للذة أو الخوف من الألم
و أقتبس من الرواقيين أن المشاعر الهدامة، مثل الخوف والحسد، والحب الملتهب والجنس المتقد هم أحكام خاطئة،
وأن الإنسان الحكيم أو الشخص الذي حقق كمالا اخلاقيا وفكريا، يكون قد وصل إلى درجة لا تسمح له الخضوع لهذه المشاعر.
وهذا يتناسب مع ما يدعو إليه المتنور، تقبل الواقع كما هو و الإنضباط أو الإلتزام بالقيم الإنسانية الاولى التي هي السلام الداخلي و المحبة و الحرية
وان على الفرد أن يتقبل قدره و يلتزم بالأعمال التي وكلت له، كأن يلتزم بوظيفته أو عمله الذي وكل إليه داخل المجتمع.
تركز الفلسفة الرواقية أيضاً على التناغم مع الطبيعة كإطار لفهم طبيعة الاشياء وكأسلوب للتخلص من الكدر الذي تسببه الاحاسيس.
أي كما لو أنهم يعتقدون أن الإنسان إذا لم ينزل من برجه العاجي و يتواضع أمام الطبيعة و يمرغ يديه في التراب
فإنه لا يستطيع إستيعاب الحياة و يعيش نوع من المعاناة النفسية الناتجة عن التعالي و النرجسية .
إن الرواقيون يدعون إلى التناغم مع الطبيعة، والصبر على المشاق، والأخذ بأهداب الفضيلة، لأن الفضيلة هي إرادة الله
كما لو أن الرواقيين يؤكدون مجدداً على التواضع أمام الفضيلة،و عدم التعالي على الواقع الذي تعيشه بل لابد من
الإنغماس و التناغم و نكران الذات في سبيل الإتحاد مع إرادة الله؛ أن ينسى المرء تماماً ملذاته و مخاوفه و عواطفه
وهو منغمس في واقعه أو في قدره
إن الهدف من الفكرحسب الفلسفة الرواقية ليس هو الشعور بالسعادة بل إن السعادة ليست إلا شعور عرضي يصاحب الوصول إلى الحقيقة بعد إعمال الفكر
و هذا يتوافق مع قيمة الجمال الذي تحدثنا عنه سالفاً في منشورات سابقة،التي تؤكد على أن المرء الذي يتقبل واقعه
كما هو و يتقبل معاناته كما هي إلى آخر رمق يلامس شيئاً من السعادة و من الراحة
ويتكون بداخله شغف للحياة .
و إن الفكر لوحده عاجز لايصالك إلى السعادة، بل لا يمكنه ذلك لوحده، لا بد من تجريب الواقع حتى نلامسها.
و ما دام الإنسان في اعتقادهم مجبور على أفعاله ليس عليه أن يهتم بالانفعالات التي تصدر عن شعوره بالمسؤولية
إذ يروى أن زينو الرواقي مؤسس الرواقية كان يضرب عبدا له على خطأ اقترفه فذكره العبد بفلسفته التي تقول أن الإنسان مجبور على أفعاله لكي يعفو عنه، فرد زينو قائلا وأنا أيضا مجبور على ضربك.
وهذا يتوافق و عدم الشعور بالذنب الذي يجعل الإنسان يميل لجلد نفسه و تدمير ذاته سلبياً، على المرء أن يكون واعياً بهذه المسألة المهمة جداً التي تسلب الإنسان سلامه الداخلي
و تجعله أكثر معاناةً، فالمجبر على أفعاله لا يمكنه أن يكون مسؤولاً إتجاه أفعاله هذه، بل المسؤولية رهينة بخياراتك و قراراتك الشخصية
و ما دام المرء لم يقرر مصيره و قدره فإنه محكوم بقرارات الآخرين و عليه فإن أحاسيسه هي أحاسيس تخص الآخرين وليست عليه اية مسؤولية على المستوى النفسي
وعليه وجب التحرر نفسياً من كل تلك الإنفعالات التي تلازم شعوره بالمسؤولية.
وعليه وجب التحرر نفسياً من كل تلك الإنفعالات التي تلازم شعوره بالمسؤولية.
إن نسيان الذات و الإنغماس في الواقع بشكل واعي يفقدنا الشعور بالزمكان و كل مسؤولياته و يجعلنا أكثر تناغماً مع الواقع
و يجعلنا نصادف تلك السعادة التي لا يمكن أن نلامسها بالفكر لوحده.
أيها المتنور دمت في سلام
Post a Comment